الثلاثاء، 3 يوليو 2018

الرواديد وحل الخرافة ومصدر التلقي/ الجزء الثاني





بقلم : أبو عبد العزيز القيسي 

إننا لو سبرنا طرق الخطاب الشيعي الموجة إلى أولئك الرعاع وليس سواهم من خلال أولئك الرواديد لوجدنا أن من ابرز معالمه هو ذاك الذي يقوم على التقنين والتلقين حيث تتجسد فيه صفة التكرار إلى حد السآمة , لولا ذلك النغم الذي يحاكي العقد الكامنة في تلك النفوس مع اللحن المنشود الذي يعبر عن تلك الطموحات والأحلام المطمورة في لا وعيهم الجمعي . 

لقد أدرك منظروا التشيع ومنذ بداية دعوتهم لنشر التشيع بين قبائل الجنوب في العراق أهمية عمل الرواديد في ترسيخ عقائدهم , فكانوا يقومون في بداية كل محرم من كل سنة بتنظيم المسيرات لإقامة تلك الطقوس والتي لا تمت بصلةً لدين الله بل هي عبارة عن فلكلور مستورد من شعوب الأرض المختلفة , ويتصدر هذه المسيرات أولئك الرواديد الذين يقومون بأداء تلك - الردات - والتي أساسها الأشعار الشعبية وفي قليل من الأحيان الشعر الفصيح حيث يستلهم الشعراء واقعة الطف في شعرهم من خلال كل ما يقع تحت أيديهم أو تلتقطه أسماعهم من روايات لا أصل لها ولا اساس , وكثيراً ما يستلهمون تلك الروايات التي تنفس عن عقدهم وتحاكي خيالهم المريض , فليس عند هؤلاء فرق بين ما هو مشروع وبين ما هو ممنوع ,ثم يقوم أولئك الرواديد بأداء تلك الأشعار بأسلوب غنائي مثير للحزن والشجن معتمدين على ذلك الصوت الرخيم والنغم الجميل , يصحبه الضرب على الصدور بإيقاع خاص يتناسب وطبيعة ذلك المقام , وتدار فصول هذا المشهد بحرفية وإتقان ,ذلك إن الرادود قد اكتسب الدربة العالية جراء تلك الممارسة الطويلة التي اكتسبها من كثرة المناسبات والمقامات المفتعلة ,
 وعلى خلفية صوته الرخيم ترتفع أصوات اللاطمين ويشتد ضربهم على الصدور والخدود والأكتاف بانتظام نغمي مدهش ومثير , بحيث انك لا تملك نفسك ولا أنفاسك أمام ذلك اللون البارع من ذلك النغم الغنائي الحزين الآسر للقلب , ومع تردد الأنفاس وحركة الأضلاع تجد تلك النفوس المترعة بالجهل لم ينقطع شغفها وولعها بتلك - الردات - بالرغم من تلك المخالفات الظاهر للعقل والضمير , وتمر تلك الطقوس على اكف أولئك الرواديد وحناجرهم وقطيع اللاطمين على اعتقاد جازم أنهم على الحق المبين , وبحكم المعاشرة والمكابدة أجدني لا أبعد النجعة حينما أقول أن المجتمع الشيعي وبصورة مطلقة مجتمع أمي من الناحية الحضارية , فهو مجتمع لا يقرأ إلا لغرض الجدل والمهاترة , وان وجد فيها أُناس متخصصون فوجود هؤلاء لا يزيد المشهد إلا ظلمة وظلامة , فهم بدلاً من يقوموا بتثقيف وتنوير مجتمعاتهم فإنهم يمعنون في وضع الغشاوات والبراقع المعتمة على العيون , فاستبدلوا بذلك أدوارهم التثقيفية إلى أدوار تلقينية , لذلك يمكننا القول إن المجتمعات الشيعية محصورة بين التقنين والتلقين . 

والتلقين أسلوب خطير يستخدمه الكثير من الساسة والدهاة ورجال الدين من أجل تحقيق أغراضهم الخاصة , فهم من خلال تلك العملية يغرسون الأفكار والستراتيجيات المعرفية بحيث أنك لا تجد المتلقي إلا منطرحاً مستسلماً لتلك الأفكار والتعاليم , نتيجة هذه التهيئة العاطفية , أو يكون ذلك التلقين في بيئة درج عليها ؟؟ , والتلقين وان كان فناً إلا أنه لا يعد علماً , بل رباط أو حبل تقود به المُلقًن إلى حيث تريد , فالمُلقًن من تلك الطقوس - والردات - يخرج وهو رابط أو مربوط او مطبوع ؟؟ على قلبه وعقلة بما اختزلته له تلك الأبيات الشعرية على لسان ذلك الرادود يتغنى بها وهو يصفق الراح بالراح أو الصدر بالراح , واني لأستطيع القول جازما بان كل من يمارس تلك الطقوس ويميل طربا ورضا بتلك – الردات- ويدافع عنها أو يبرر لها إنما يحمل في ذات عقله وذهنه تلك العقيدة العسكرية والتي لاتقبل رأي المخالف وإن كان متسلحا بكل الأدلة التي تثبت صحة قوله ومعتقده , 
وهذا هو ما يمكن أن نسميه بالجزمية أو- الدوغما - أو - الدوغماتية - والتي تعني التعصب لفكرة معينة مع الرفض المطلق لمناقشتها أو طرح بديل يناقضها , وهي كما يسميها الإغريق بالجمود الفكري , وبحكم خلفيتي الشيعية أجد أن التلقين والذي يتحقق من خلال تلك - الردات - والأشعار يحقق أهدافا خطيرة لا يمكن تحقيقها .. بآلاف .. المحاضرات والخطب , وهذا ما أدركه صناع التشيع فهو يختصر .. العلة والهدف ببيت وبيتين يجعلها تتردد على الشفاه كما الغم ، لتزيد في القلب الأحقاد والنقم , إنهم بهذه اللطميات - والردات - ومن خلال استلهام الخرافة بصوت رخيم يُعرّفون لهؤلاء مفهوم الولاء والبراء ويحددون لهم اتجاه البوصلة ويحولونهم الى آلات متعطشة للدماء والقتل والمطالبة بالثأر , وقد كنت أسأل نفسي أثناء ممارستي لتلك الطقوس أسئلة لم أجد لها جوابا إلا بعد تلك الأحداث الدامية والتي جرت بعد سقوط بغداد 2003 ميلادية وما جرى بعد هذا السقوط من ترجمة حية لما كنت اسمعه واردده في تلك اللطميات , وقد كنت أقف حائراً أمام هذا الإصرار العجيب على تلك الطقوس وتغييب ضروريات الدين والتي خطها القران الكريم بمدادٍ من نور .

لاشك أن الرواديد ومن خلال تلك – الأشعار والردات – ومن خلال ذلك التكرار المنتظم يؤسسون لمجتمع يتميز بالخصوصية المطلقة والتي يراد لها أن تميزه عن غيره والتي لا يمكن معها التناغم أو التآلف مع أي محيط لا يشاركهم الرأي في تلك الطقوس , وهذا التكرار والإلحاح هو الذي يؤسس ويرسخ المعتقد في الذهن ويتشربه القلب , وهو ما يسميه علماء الاجتماع – التطبع – خصوصاً اذا علمنا بأن تلك - الردات - ممتلئة بالشحنات الروحية والوجدانية , وعلى كل ذلك تتم عمليات التنشئة وعمليات الاكتساب الثقافي والعقائدي , الأمر الذي يسهم في ترسيخ القناعات والميول في الفرد والمجتمع .