بقلم الشيخ الدكتور طه حامد الدليمي
اتباع النبي (صلى الله عليه وسلم) ليس في العبادة والهيئة فقط، وإنما في السياسة وبقية شؤون الحياة أيضاً. وقد احترم الإسلام العقل وأنزله منزلة عالية، ودعا ربنا (عز وجل) عباده لتفعيله وتحريكه، ضمن قواعد الشرع وضوابطه.
فحين يخرج الإنسان عن مسار النبوة في أحكامه: سواء منها التوقيفية أو تلك التي سمح للعقل أو أُمر العقل بأن يقول قولته فيها، يكون ذلك الإنسان: فرداً أو جماعة.....
- مختلاً في منطلقاته
- مضطرباً في حركاته
- عبثياً في نهاياته.
وحاشى لله تعالى أن يكون مثل هذا على الصراط القويم في دينه، وعلى سواء السبيل في دنياه.
آلية توزيع الأعداء على السلال
من سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) في سياسته عدم وضع الأعداء في سلة واحدة. وإن حاولوا عاد فحاول فأعاد توزيعهم. وعدم إثارتهم عليه جملة واحدة، وإن حاولوا عاد فحاول فأعاد تفريقهم.
كان (صلى الله عليه وسلم) يتبع قاعدة تفريق الأعداء لا جمعهم عليه. وكثيراً ما عقد معاهدات سلام وتعاون وتحالف مع القبائل، وراسل الملوك كالمقوقس والنجاشي وبنى معهم، على كفرهم، علاقات مشتركة وقبِل هداياهم. وحين يرميه الأعداء عن قوس واحدة يعمل بكل طاقته لتفريقهم، كما فعل يوم الأحزاب وفي صلح الحديبية والمفاوضات التي سبقتها. وشيخ الأحابيش وتحالفه مع خزاعة أمثلة أُخرى؛ فكان حريصاً على أن لا يجعل خصومه صفاً واحداً أمامه. كما كان حريصاً على عدم فتح جبهات متعددة عليه في ساحة المواجهة. إنما يغلق كل الجبهات لينصرف إلى جبهة واحدة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
هذا من أهم قوانين الاجتماع التي اتخذها النبي (صلى الله عليه وسلم) سنة له متبعة وسياسة ثابتة في سلمه وحربه.
وانظر إلى هانيبعل ونابليون وهتلر وصدام وأمثالهم؛ حين خالفوا هذا القانون الاجتماعي العظيم، والسبيل الرباني القويم.. ماذا كانت نهايتهم؟ آخرهم كان يفتخر بأنه حارب ثلاثين دولة! رحمك الله يا صاحبي أبا سليمان على تلك الكلمة التي وضعت بها يدي على هذه الحقيقة العظيمة، يوم سمعت صدام يقول ما قال فضحكت وقلت: الحكماء يفتخرون بتفريق أعدائهم، وصاحبنا يفتخر بأنه ما ترك عدواً في الأرض إلا وجمعه عليه!
المجنون يبدأ من حيث يبدأ المجانين
والآن انظر إلى سياسة "تنظيم الدولة"، فلا هي نظرت إلى السنة فاتبعت سياسة النبي (صلى الله عليه وسلم) الربانية، ولا استفادت من التجربة فوافقت سنة الاجتماع الكونية. أثارت العالم كله على نفسها فاجتمع عليها ولكن من خلالنا فهي لا تسعى حثيثة إلا في القضاء على نفسها وعلى السنة. لم تسالم جهة ولم تؤلف جبهة. فكانت النتيجة أن انقلب شعارها المشهور "باقية وتتمدد" إلى الضد. وهي التي لقنت أتباعها أنهم على الحق؛ فالنصر ملازم لهم ولا بد. والنصر بتفسيرهم هو الغلبة المنظورة على الأعداء، حتى إذا انقلبت الأمور تحت المنظور عادوا فقالوا: ليس المهم عندنا الفوز بالدنيا إنما المهم الآخرة.. في شريط لا ينتهي من المتناقضات التي جعلت أتباعها أنفسهم في بلبلة من بالهم وفساد من حالهم!
كل أرض للسنة مر بها التنظيم عادت خراباً على خراب! وهذا الميدان أمامكم وانظروا! من بهرز والعظيم والمقدادية وبلدروز إلى المحمودية واللطيفية وأبي غريب والتاجي، ومن سامراء والدور وبيجي إلى الكرمة والفلوجة والخالدية والرمادي وجميع مدن الأنبار. وها هي الموصل تنقص من أطرافها. وهي على الأثر ولا من بارقة أمل تمنح لها بطاقة استثناء.
ما يجري اليوم على الأرض هو الجنون عينه. نظرة واحدة لنشرة أخبار تغنيك وتكفيك لتعرف أن موجة ثيران هائجة ليس لها من بني الإنسان سوى الشكل.. تجتاح البلاد والعباد، كل ثور يبدأ من حيث بدأ الثور الذي سبقه، لا يعتبر آخر بأول ولا عاقل بما فعل مجنون. لا كافر ينهاه نُهاه، ولا مسلم يمضي حيث يقوده هداه.
يفرضون على الناس حصارهم وهم تحت أخطر عدوين: الجوع والخوف. لا هم يطعمونهم أو يؤمنونهم، ولا هم يتركونهم يتدبرون مصابهم. حتى إذا وقعت الواقعة تركوهم لمصيرهم! والحجة أنهم يريدون إقامة شرع الله تحت لافتة الخلافة. فأي شرع هذا؟ وأي خلافة له هذا حصادها؟! شباب يحرق بالجملة، وشعوب تباد كما تباد الحشرات. إزاحة لأهل السنة، وإحلال بدلهم للشيعة. ولا خلافة ولا إقامة لشريعة.
أفيفعل هذا عاقل؟ لا أقول: مسلم!
لا والله وتالله وبالله!
إنها عبثية البدايات.. وكارثية النهايات. ولا غير.
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق