الجمعة، 13 أكتوبر 2017

شبهة افتضاح نفاق عمر بسؤاله حذيفة بن اليمان

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأمهات المؤمنين



الحديث 
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " سنعذبهم مرتين عذاب الدنيا وعذاب القبر ثم يردون إلى عذاب عظيم ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أسر إلى حذيفة باثني عشر رجلا من المنافقين، فقال : " ستة منهم تكفيكهم الدبيلة ، سراج من نارجهنم يأخذ في كتف أحدهم حتى يفضي إلى صدره ، وستة يموتون موتا " ذكر لنا أن عمر بن الخطاب رحمه الله كان إذا مات رجل يرى أنه منهم نظر إلى حذيفة ، فإن صلى عليه وإلا تركه . وذكر لناأن عمر قال لحذيفة: أنشدك الله أمنهم أنا ؟ قال : لاوالله، ولا أؤمن منها أحدا بعدك


يدعي الرافضة أن عمر رضي الله عنه خَشيَ أن يفتضح أمره في كونه من المنافقين ، ولهذا سأل حذيفة بن اليمان . أبتداءاً فالحديث ليس فيه إسناد صحيح ولولا السند لقال من شاء بما شاء . 
وبغض النظر عن وثاقة الحديث ورجاله عند الرافضة وعدم اعتنائهم به حيث تحوي كتبهم كل مكذوب وضعيف ، فهاهم يرددون فرية نفاق عمر بل وصل الأمر إلى محاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم عند العودة من غزوة تبوك . 
لماذا هذا الإصرار مع أن حذيفة برأ عمر رضي الله عنهما ؟ 
والجواب أن لا تشيع إلا بالطعن في السلف وناقلي الدين قرآن وسنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وبالأخص الفاروق هادم عرش كسرى ، ليكون الحرث أجيال تتبع عمائم الضلال والنفاق بأسم آل البيت يفسدون العباد والبلاد .

ومع أن هناك حديث مشابه عن أم المؤمنين أم سلمة فلا يتداوله الرافضة لمنزلة أم سلمة عندهم من بين أمهات المسلمين . أما الصحابي حذيفة بن اليمان فلا حرج أن يتهموه هو الآخر بالكذب على عمر حين برأه من النفاق عملاً بالتقية ، ويا لجرأة الشيعة ! فما أصبرهم على النار !

روى أحمد 
عن عاصم عن أبي وائل، عن مسروق قال: دخل عبد الرحمن على أم سلمة رضي الله عنها، فقالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن من أصحابي لمن لا يراني بعد أن أموت أبدا» فخرج عبد الرحمن من عندها مذعورا حتى دخل على عمر رضي الله عنه فقال له: اسمع ما تقول أمك، فقام عمر رضي الله عنه حتى أتاها فدخل عليها فسألها ثم قال: أنشدك بالله أمنهم أنا؟ قالت: لا ولن أبرئ بعدك أحدا.)
والحديث رواه أحمد والطبراني والبزار
وصحح اسناده ابن حجر وحسنه الألباني
ولفظ (لا براني بعد أن أموت أبدا) معناه أنه لا يدخل الجنة 
وقول أم سلمة في تزكيته موافق لقول حذيفة .

الرد على الشبهة :

( وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ) التوبة الآية 100 

إن الله تعالى وعد السابقين المهاجرين المجاهدين بأموالهم وأنفسهم بالجنة ، وعمر أحد أصحاب بدر الذي اطلع الله على قلوبهم ، وهو المحدَث وافق قوله القرآن ، فعمر رضي الله عنه من المبشرين بالجنة وهو من العشرة والنبي عليه أفضل الصلاة والسلام هو من أخبر حذيفة بأسماء المنافقين الأثني عشر ولو كان عمر منهم فلعلمه قبل هذا ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يختار في حروبه قادة سرايا إلا بمن هم أهل لها ولا يصاحب إلا من علم فيه الإيمان ولا يتزوج إلا من بيت الإيمان من صحيح البخاري الحديث :
3472 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ أُحُدًا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ فَقَالَ اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ. 
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى بيت عمر في الجنة وله جارية .

أما عن قول الله تعالى في سورة الأحزاب الآية 60 : ( ( لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً ) 
ففيها دليل ونص قطعي على براءة عمر من النفاق وكذا أبي بكر رضي الله عنهما في جوارهما للنبي حياً وبعد الموت في غرفة واحدة يتشرف الناس بزيارة الحرم النبوي ‘لى يوم القيامة ، فأي تزكية وأي شرف ! 

قال أبن تيمية رحمه الله في منهاج السنة :
من المعلوم للخاص والعام أن عدل عمر رضي الله عنه ملأ الأفاق وصار يضرب به المثل كما قيل سيرة العمرين وأحدهما عمر بن الخطاب والآخر قيل إنه عمر بن عبد العزيز وهو قول أحمد بن حنبل وغيره من أهل العلم والحديث وقيل هو أبو بكر وعمر وهو قول أبي عبيدة وطائفة من أهل اللغة والنحو 
ويكفي الإنسان أن الخوارج الذين هم أشد الناس تعنتا راضون عن أبي بكر وعمر في سيرتهما وكذلك الشيعة الأولى أصحاب علي كان يقدمون عليه أبا بكر وعمر . أنتهى

سؤال هام / ما هو النفاق الذي كان يخشاه عمر بن الخطاب ؟

قال العلامة الحافظ ابن رجب في كتاب (جامع العلوم والحكم- تحقيق: ماهر الفحل) :

(وقال طائفة من السَّلف : خشوعُ النفاق أنْ ترى الجسدَ خاشعاً ، والقلب ليس بخاشع ، وقد رُوي معنى ذلك عن عمر ، وروي عنه أنَّه قال على المنبر :
إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم المنافقُ العليم ، قالوا : كيف يكون المنافق عليماً ؟ قال : يتكلم بالحكمةِ ، ويعمل بالجور ((1)) ، 
أو قال : المنكر . وسُئل حذيفة عن المنافق ، فقال : الذي يصف الإيمان ولا يعمل به ((2)) .

وسئل أبو رجاء العطاردي : هل أدركتَ من أدركتَ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخشون النفاقَ ؟ 
فقال : نَعَمْ إني أدركتُ منهم بحمد الله صدراً حسناً ، نعم شديداً ، نعم شديداً ((3) .

وقال البخاري في " صحيحه " ((4)) : وقال ابنُ أبي مُليكة : أدركتُ ثلاثين من أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُلُّهم يخافُ النفاقَ على نفسه . والصحابة الذين أدركهم ابن أبي مليكة من أجلهم عائشة وأختها أسماء وأم سلمة والعبادلة الأربعة وأبو هريرة وعقبة بن الحارث والمسور بن مخرمة ، فهؤلاء ممن سمع منهم ، وقد أدرك بالسن جماعة أجل من هؤلاء كعلي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص ، وقد جزم بأنهم كانوا يخافون النفاق في الأعمال ، ولم ينقل عن غيرهم خلاف ذلك فكأنه إجماع ، وذلك لأن المؤمن قد يعرض عليه في عمله ما يشوبه مما يخالف الإخلاص . ولا يلزم من خوفهم من ذلك وقوعه منهم ، بل ذلك على سبيل المبالغة منهم في الورع والتقوى رضي الله عنهم . وقال ابن بطال : إنما خافوا لأنهم طالت أعمارهم حتى رأوا من التغير ما لم يعهدوه ولم يقدروا على إنكاره ، فخافوا أن يكونوا داهنوا بالسكوت .
ويُذكر عن الحسن قال : ما خافه إلاَّ مؤمِنٌ ، ولا أمنه إلا منافق ((5)) . انتهى .

وروي عن الحسن أنَّه حَلَفَ : ما مضى مؤمِنٌ قطُّ ولا بقي إلا وهو من النفاق مُشفِق ، ولا مضى منافق قط ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن . وكان يقول : من لم يخفِ النفاق ، فهو منافق ((6) .

وسَمِعَ رجل أبا الدرداء يتعوَّذُ من النفاق في صلاته ، فلما سلَّم ، قال له : ما شأنك وشأنُ النفاق ؟ فقال : اللهمَّ غفراً - ثلاثاً - لا تأمن البلاءَ ، واللهِ إنَّ الرجل ليُفتَنُ في ساعةٍ واحدة ، فينقلِبُ عن دينه ((7)). 

والآثار عن السَّلف في هذا كثيرة جداً . قال سفيان الثوري : خلافُ ما بيننا وبين المرجئة ثلاث ، فذكر منها قال : نحن نقول : النفاق ، وهم يقولون : لا نفاق(8) .

وقال الأوزاعي : قد خاف عمر النفاقَ على نفسه ، قيل له : إنَّهم يقولون : إنَّ عمر لم يَخَفْ أنْ يكونَ يومئذ منافقاً حتى سأل حُذيفة ، ولكن خاف أنْ يُبتلى بذلك قبل أنْ يموت ، قال : هذا قولُ أهل البدع ، يشير إلى أنَّ عمر كان يخاف النفاقَ على نفسه (9) في الحال ، والظَّاهر أنَّه أراد أنَّ عمر كان يخاف على نفسه في الحال من النفاق الأصغر ، والنفاق الأصغر وسيلةٌ وذريعةٌ إلى النفاق الأكبر ، كما أنَّ المعاصي بريدُ الكفر ، فكما يخشى على من أصرَّ على المعصية أنْ يُسلَبَ الإيمانَ عندَ الموت ، كذلك يخشى على مَنْ أصرَّ على خصالِ النفاق أنْ يُسلَبَ الإيمانَ ، فيصير منافقاً خالصاً . ( وهذا كلام أبن رجب رجمه الله في نص كتابه ) 

وسُئِلَ الإمامُ أحمد : ما تقولُ فيمن لا يخاف على نفسه النفاق ؟
فقال : ومن يأمنُ على نفسه النفاق ؟ وكان الحسن يُسمي من ظهرت منه أوصافُ النفاق العملي منافقاً ، وروي نحوه عن حذيفة .

وها هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يسأل الله أن يجنبه النفاق ، يقول : اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني فإن عدت فعد علي بالمغفرة ، اللهم اغفر لي ما وأيت من نفسي ولم تجد له وفاء عندي ، اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك بلساني ثم خالفه قلبي ، اللهم اغفر لي رمزات الألحاظ وسقطات الألفاظ وسهوات الجنان وهفوات اللسان (10)

ورُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) أنهُ قَالَ : " الْمُؤْمِنُ بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ : ذَنْبٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي مَا صَنَعَ اللَّهُ فِيهِ ، وَ عُمُرٍ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي مَا يَكْتَسِبُ فِيهِ مِنَ الْمَهَالِكِ ، فَلَا يُصْبِحُ إِلَّا خَائِفاً ، وَ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْخَوْفُ " (11)

كتاب جامع العلوم والحكم لأبن رجب الحنبلي 
_

قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري 1 / 178 - 179:

وأصل هذا يرجع إلى ما سبق ذكره أن النفاق أصغر وأكبر ؛ فالنفاق الأصغر : هو نفاق العمل وهو الذي خافه هؤلاء على أنفسهم ؛ وهو باب النفاق الأكبر ، فيخشى على من غلب عليه خصال النفاق الأصغر : في حياته أن يخرجه ذلك إلى النفاق الأكبر حتى ينسلخ من الإيمان بالكلية ، كما قال تعالى ( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ( [ الصف : 5 ] وقال ( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّة [ الأنعام : 110 ] ... اهـ

من هنا كان النبي يعلم أمتع التعوذ من النفاق ولم يستثني أحد ، ولا يعني التهمة بل سؤال الله أن الحصن منها حتى كانت من الأدعية المأثورة في الصلاة :
( «اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنَ النِّفَاقِ، وَعَمَلِي مِنَ الرِّيَاءِ، وَلِسَانِي مِنَ الْكَذِبِ، وَعَيْنِي مِنَ الْخِيَانَةِ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ»
عَنْ ابْنِ أُمِّ مَعْبَدٍ، عَنْ أُمِّ مَعْبَدٍ، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء

________

(1) أخرجه : المروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 685 ) عن عمر بن الخطاب موقوفاً .
(2) أخرجه : المروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 682 ) ، وابن بطة في " الإبانة " ( 914 )
و( 928) .
(3)أخرجه : المروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 686 ) ، والفريابي في " صفة المنافق " ( 81 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 2/307 .
(4)ذكره البخاري 1/19 معلقاً ، وأخرجه في " التأريخ الكبير " 5/43 ( 6482 ) موصولاً .
(5) ذكره البخاري 1/19 معلقاً ، وأخرجه : البيهقي في " شعب الإيمان " ( 859 ) موصولاً .
(6) أخرجه : المروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 687 ) ، والفريابي في " صفة المنافق " ( 87)
(7) أخرجه : الفريابي في " صفة المنافق " ( 73 ) و( 74 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان "
( 857 ) .
(8) أخرجه : الفريابي في " صفة المنافق " ( 93 ) ، ومن طريقه الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 11/162 .
(9) سأل أبان الحسن فقال: هل تخاف النفاق قال : وما يؤمنني وقد خاف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .وأخرجه : الفريابي في " صفة المنافق " ( 84) .

وقال معاوية بن قرة : أن لا أكون فيّ نفاق أحب إليّ من الدنيا وما فيها كان عمر - رضي الله عنه - يخشاه وآمنه أنا . أخرجه : الفريابي في " صفة المنافق " ( 86) .

"(10) نهج البلاغة شرح أبي الحديد ج6 ص176

(11) الكافي : 2 / 71 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، 
طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران

والحمد لله رب العالمين

( من مواضيع آملة البغدادية ) كُتب في 2012 بتصرف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق