السبت، 29 أغسطس 2015

مشروع العراق الجامع هلوسة أم رفع عتب للهيئة ؟






خاص/ موقع القادسية الثالثة
بقلم/آملة البغدادية

بدون مقدمات ، عندما نتكلم عن هيئة علماء المسلمين ومشروعها (العراق الجامع) فلا يزيدنا إلا اقتناعاً بمدى الضرر الذي سببته لملايين السنة حاضراً ومستقبلاً، وبالتالي الضرر بالعراق كبلد يتدحرج على شفير هاوية ، فالحلقة التي بثتها قناة الجزيرة ( بلا حدود ) في يوم الأربعاء 26/8/2015 ، مع الأمين العام لهيئة علماء المسلمين الدكتور (مثنى حارث الضاري) كانت موثقة بالصوت والصورة حول النواحي الفكرية والمنهجية للهيئة الرافضة لتبني القضية (السنية) مع أنها هيئة جل أعضائها من أهل السنة حصراً . إن هذه النقطة الهامة هي أحدى النقاط الأساسية التي طرحها مقدم البرنامج المحاور (عثمان آي فرح) حيث كان سؤاله حول الهيئة هل هي سنية أم وطنية ؟ ، لم يتأخر الدكتور الضاري في معرض رده بأن الهيئة تمثل العراقيين جميعاً في منهجها (الوطني)، وكأنه يتوقع تهليلاً شيعياً وتصفيقاً حاراً من شيعة الجنوب ، أو على الأخص المتظاهرون الشيعة محور تزامن الدعوة لمشروع يسمى بالعراق الجامع ، هذا الوهم . إن الرد الرافض لجوهر مأساة أهل السنة بما يخص القضية في العراق هو (الهوية السنية) التي جاء الاحتلال بحكم شيعي خالص يثبت أركان التشيع الإمامي ، وليس فقط يحاول نزعه من المجتمع العرب يعرفه القاصي والداني وأجهل متتبع للأخبار . لقد كان رد (الأمين) بأن الهيئة وطنية أُريد منها كسب ما لا يمكن كسبه ، وزاد على هذا التيه خسارة من ظن أنه الراعي والممثل لقضاياه كمواطن سني يواجه كل أنواع الإبادة، وتشويه إن لم يكن محو العقيدة الإسلامية ومنابرها الدعوية ورجالها أئمة الجوامع بكواتم واعتقالات وتهم 4 أرهاب ، ووصولاً إلى تغيير المناهج الدراسية للأجيال القادمة بمسخ مبتدع معاد للأمة وتاريخها . لا أدري من كسب غير كتاب الهيئة !

إن من العجب أن يكون المحاور مقدم البرنامج واقعياً في طرحه وأسئلته من صاحب المشروع في أكثر من نقطة ، فالأولى كرر أكثر مرة ذات الأسئلة حول مراحل تطبيق (مشروع العراق الجامع)، ففي ظل واقع لا تبدو فيه أي بادرة من أصحاب القرار، أو من الصفوف الخلفية من أمعات السنة في الحكومة العراقية بما يدل على نوايا الإصلاح الحقيقي لحكومة ليست فاسدة فحسب، بل طائفية بامتياز أمام المظاهرات الواسعة حتى تصبح هناك معارضة سياسية تجنب الشارع خطر الهشيم الجارف، وإذا كان الأمين العام عالماً بالطبع بهذه الحقيقة، فكيف يكون التطبيق عن طريق تدويل القضية ؟ أليس تدويلها هو في هيئة الأمم المتحدة التي هي أحد أذرع الهيمنة الأمريكية الداعمة لحكومات التشيع المسئولة عن المجازر التي تلحق بأهل السنة ؟ أليست هي الآن من يحاول أن ينقذ دولة المليشيات من الانهيار بالتدخل العسكري في المحافظات السنية ؟ ثم لعمري من هي الدول العربية التي لها الثقل في هيئة الأمم المتحدة لتكون ورقة ضغط لإنقاذ العراق بمشروع كهذا، فضلاً عن دعم الكثير من الحكومات العربية للتحالف الأمريكي الذي يصب في صالح الحكومة الشيعية أولاً وآخراً بحجة الحرب على داعش . أما عن شكل العراق الجديد السياسي فهو الأكثر غرابة ، إذ صرح الأمين العام بأن التعددية هي الشكل المطلوب ، ولا ندري هل يقصد الديمقراطية ذاتها ؟ ما الفارق الذي ستجنيه العملية السياسية مع وجود ذات الأحزاب الشيعية مع أخرى علمانية تبتعد عن النظام الديني (السني) الحل الأمثل لخلاص العراق وتتنافر معه 180 درجة ؟ أي مفارقة من هيئة علماء (المسلمين) !

النقطة الثانية، حول رفض الهيئة منذ البداية لاشتراك أهل السنة في العملية السياسية ، والمحاور قد وضع يده على الجرح حين أشار إليها ، لإن ضياع الثقل السني في الحكومة مقابل تغول الأحزاب الموالية لإيران سببه رفض هذه العملية بتثقيف الهيئة حول خطرها إن صح التعبير، مما أدى إلى عزوف الملايين من أهل السنة عن الانتخابات عام 2005 . من الجدير بالذكر ان مسألة رفض الحكومات ما بعد الغزو لأنها تمثل شرعية للاحتلال هي حقيقة، لكنها لا تبتعد من حقيقة إفساح المجال للتهميش الحاصل لأهل السنة في كل مؤسسات الدولة خاصة الأمنية منها، وهذا أدى إلى هيمنة كتل سنية عميلة حصرت تمثيل السنة بها ، والنتيجة ما جرى .

النقطة الثالثة ، هي مسألة الفدرالية التي أكد على رفضها بزهو عجيب ! . لقد صرح الأمين العام بالموافقة أخيراً من فيض كرمه بعد أن اجتمعوا على محاربة الأقاليم وتكفير من ينادي به حد القتل ، وينتظر الان بتهكم مراحل تطبيقه ! . كنت أتمنى أن يتجاهل هذا الاستخفاف بمصير ملايين السنة الكارثي بين مقتول ومهجر يتحسر على أطلال منطقته هو والهيئة ومن والاها من شيوخ الأخوة السنية الشيعية يتحملون جزء منه . لقد كانت فرصة ذهبية لتمكين الحرس الوطني من دعم الأمن في المحافظات السنية بما  لو تم ، لجنبنا مصائب التغول والقيادة الشيعية في أجهزة الأمن، وجنبنا القضاء الذي يسحب المعتقلين إلى سجون الناصرية والمركز المسيطر عليها من قبل المليشيات بلباس عسكري وقضاء صفوي لمصير مفقود .  لقد فات على المقدم وصاحب المشروع الجامع أن يدلي برأيه حول فدرالية البصرة التي تسير بخطوات جدية مستغلة الحدث بذكاء، والذي عجز عنه علماء المسلمين وهيئتهم بمفكريها السياسيين طوال عام كامل محفوف بالمجازر والفوارق الكبيرة لردود أفعال الحكومة مع المتظاهرين . أما قضية التقسيم فقد طرحها الأكراد بشكل صريح لأسباب اقتصادية بحتة بعيدة عن العقيدة والوجود المستهدف العامل الأدعى ، أليسوا هم من ضمن العراق الجامع ؟ ولكنها جريمة عند عباد المشروع القديم لسايكس بيكو، فأي مشروع يضاده هو قضية مرفوضة عند هذه العقول التي لا تعي أن مصير أهل السنة بات كمصير الهنود الحمر بعد أن خشينا من مصير الأحواز . متى يعون أهل الوطنية والفكر البعثي أن السرطان المستفحل المقارب لفقدان الأعضاء علاجه البتر، ولا ينفع كي ولا تضميد ؟

النقطة الرابعة، هي مسألة توافق شرائح عديدة من الشعب العراقي على المشروع المذكور، ولم يذكر جهة واحدة لها ثقل في الشارع بخاصة التي تقود المظاهرات ، اللهم إلا أسماء مرجعية جواد الخالصي والصدر ! ، وهنا ينعقد اللسان من أي تعليق على هذه (الدعامات) لأهل السنة المنتظرة لأحضانهم من أهوال النزوح والموت تحت قصف الطائرات ومدافع الحشد الصدري . أي كاريكاتير ! . لا أدري كيف يكرر رجال الهيئة أن مشكلة العراق في طائفية السياسة لا العقيدة .

كيف فات الأمين العام ورجال الهيئة العظام أن هناك لافتات في المظاهرات الشعبية الشيعية كانت طائفية بامتياز، ومنذ دافعها الأول وزير الكهرباء السني مع أحكام السجن الغيابي لأمين عاصمة بغداد الأسبق ؟
هل هناك لافنة واحدة تخص مظلومية الأنبار ومشروع محو سنة الفلوجة أو ديالى الممغتصبة أو صلاح الدين المهجرة ؟
هل هناك مطلب إلغاء الفقرة 4 إرهاب أو إعادة محاكمة المعتقلين ؟
 هل يعي الأمين العام أن غالبية المتظاهرون اليوم يجمعون على (عراق جامع) يقوده أبطال المليشيات والحشد ؟
وأولهم الإرهابي هادي العامري قائد فرق الموت الحاقد على أهل السنة منذ أن كان في إيران من ضمن التوابين المعذبين للأسرى العراقيين . هل يعي الأمين العام أو عامة الشعب العراقي أن الدافع الحقيقي هو حشود وصفوف التوابيت إلى النجف تترى بسبب فتوى الدم للسيستاني أبن القرعة ؟ لقد كانت الكهرباء مجرد شرارة، والخدمات والمال المنهوب بمباركة المرجعية شطر آخر .
 أسئلة كثيرة من باب التعجب أكثر مما تكون من باب الاستفسار، فلا يوجد سني واحد لم يع ِطائفية الحكومة والشيعة بشكل عام ، وإنما هناك ثلة منهم ترفض ممارسات الحكومة ضد أهل السنة بسبب نظرتها للعراق المهدد لا غير . 

باختصار مؤلم ، مشروع العراق الجامع هلوسة لهيئة مازالت ترى مقتدى بطل والخوة نظيفة ، مع أن المتظاهرين شيعة أقاربهم ضمن الحشد والمليشيات والقوات الأمنية الطائفية ضد فساد الساسة، لا مجازرالسنة، وهذا هو الحد الفاصل بين قابلية تطبيق أي مشروع يجمع به العراقيون بعد الغزو . إن الاحتلال هو المشكلة نعم ، لكنها ليست مجردة من ضلوع الشيعة في كونهم مادة التخريب، وسبب إطالة عمر الاحتلال الذي بات مزدوج أمريكي وإيراني بغيض . لذا عندما يكون الواقع في أكثر صورهِ دموية، فلا أحد يختلف في ضرورة تغييره ، إنما عندما يُختلف في تشخيص أسبابه بدلاً من الاختلاف على طرق الحل فهذا بحد ذاته سبب في إطالة المعاناة والضياع لشعب عانى ما لا تحتمله أي أمة في التاريخ . إننا لا نحتاج مشاريع هلوسة، أو حلول لرفع عتب عن هيئة فاشلة تحاول أن تضع رداً مستقبلي لمحاكمة ضمير .
إنه جمود الفكر على تجارب فاشلة ، هذا ببساطة أحد أكبر أسباب ضياع سنة العراق ممن يدعون القيادة ، والذي أدى إلى عدم وحدة مكوناته الرامية لطرد الاحتلال منذ قرابة ثلاث عشر عام ، والله المستعان لا بد من أن تكون العاقبة للمتقين سنة الله في عباده لا تغيب .


*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق