الثلاثاء، 26 فبراير 2019

الشيخ متولي إبراهيم والطعن في الصحيحين وحديث العرنيين

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد الصادق الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى أمهات المؤمنين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين



بقلم / آملة البغدادية
خاص/ منتديات أهل السنة في العراق

تعدد في عصرنا الحديث أشكال الطعون بحق علماء الأمة وكتبهم، ومنها كتابيّ البخاري ومسلم الصحيحين، 
فقد ظهر شيخ مصري يُدعى (متولي إبراهيم صالح) يقول أن 95% من أسانيد كتاب البخاري غير صحيحة، وسرعان ما تلقّف هذه الفرية أعداء الإسلام، فيا لسوء عمله
لا شك أن أساتذة علم الحديث ومن درس علوم الدين قد بادروا للرد على هؤلاء الطاعنين، ومنهم د. الشريف حاتم بن عارف العوني، وهو عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى، حيث ألقى محاضرة جواباً على سائلٍ له شكوك حول صحيح البخاري ورواته، فجاء برد وافي في الرابط أدناه .* أ

أما في المنتديات فكثيراً ما يرددها أهل الخلاف، وقد توجه لي سؤال عنه، وبعد البحث أضع ردي بعون الله تعالى ليس للشيخ متولي فقط، بل لمن يتأثر بقوله من عوام أهل السنة، وهو ما باستطاعتي وإمكاني، معتمدة في ذلك على المواقع المختصة المميزة مثل موقع (ملتقى أهل الحديث) ومرفق بالروابط، فما يصح أن أكتب برأيي وأنا ما عندي عشر معشار ما لدى هؤلاء من العلم، وفقهم الله ورضي عنهم، كم انتفعت بهم، والله المستعان .

ـــ يبدأ الشيخ متولي بادعاءه أن الإمام البخاري رحمه الله غير معصوم، لذا فلا بد أن يكون عمله غير متقن، 
ولا أدري كيف توصل لهذا، فهناك من تلاميذ الابتدائي من أتقن عمله مثلاً في الرياضيات، فتأتي النتيجة 100%، مع أنه غير معصوم ، فلماذا استبعد هذا عن الإمامين بخاري ومسلم ؟!
نقرأ رأي كبار علماء الأمة في الصحيحين في هذا، قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله في مقدمته ص 10: "وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز". وفي كتاب هدي الساري لابن حجر عن أبو جعفر العقيلي (ت 322هـ _934م): "لمّا ألّف البخاري كتاب الصحيح عرضه على أحمد بن حنبل ويحيي بن معين وعلي بن المديني وغيرهم، فاستحسنوه، وشهدوا له بالصحّة إلا في أربعة أحاديث، والقول فيها قول البخاري، وهي صحيحة ". أهــ
أما عن وجود أخطاء في الصحيحين، قال أبن حجر في هدي الساري بعدما ذكر عدد الأحاديث المنتقدة على الصحيحين، (ص 383): "وليست كلها قادحة ، بل أكثرها الجواب عنه ظاهر والقدح فيه مُندَفع، وبعضها الجواب عنه محتمل، واليسر منه في الجواب عنه تعسّف" 

 وأنقل نص في غاية الأهمية عن ما قاله الشيخ حمزة المليباري (وفقه الله): (وعندما نلفي الإمام الدارقطني يؤيد أحياناً صنيع الشيخين في التصحيح أو التعليل أثناء التتبع، أو نلفي الإمام أبا مسعود الدمشقي يصرح في بعض المواضع من التتبع أنّ الإمام مسلماً إنّما أراد تبيين الخلاف لا أنه يثبت الحديث، يمكننا أن نقول: أن هؤلاء الأئمة لم يقصدوا بتتبعهم لأحاديث الشيخين توجيه الطعن نحوهما لسبب إخلالهما بشروط الصحيح وعدم التزامهما بها، وإنما أرادوا أن يبرزوا الفوائد النقدية التي تكمن في صنيعهما والتي تحتاج الى توضيحها، كما أرادوا أن يؤكدوا أن الكتابين من أصحّ ما صنفه البشر على الأطلاق، حيث أنهم لم يتحصلوا من خلال تتبعهم على جانب الإخلال إلا في عدد قليل جداً من جملة الأحاديث التي تربو سبعة آلاف حديث، وهو أمر طبيعي جداً، لا غرابة فيه. ) أ هـ

ـــ قال الشيخ متولي (شهاداتِ علماءَ أئمةٍ على أخطاء للبخاري معذرة إلى ربهم ولعلهم يتقون)
1 ـ في {3ـ الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر} [10306/02] عن عوسجة عن أبيه قال 
سافرت مع النبي أخرجه البخاري قال محمد بن إسحاق الصغاني هذا خطأ وانما سافر مع علي .  أهـ


الكلام عن البزار في مسنده (حدثنا محمد بن إسحاق، ثنا مهدي بن حفص،ثنا أبو الأحوص،عن سليمان بن قرم، عن عوسجة، عن أبيه، قال، سافرت مع رسول الله (ص) فكان يمسح على الخفين) وأخطأ فيه مهدي وجعله (سافرت مع النبي(ص) إنما سافر مع علي) أ هـ
وقد تبين لي أن الشيخ متولي (للأسف) يمارس التدليس المضاعف، فلم يذكرالنص بتمامه ولا تتمته ، وهو 
(وأخرجه البخاري من هذا الوجه ووقع لنا بعلو في فوائد أبي العباس الأصم) الصورة أعلاه من كتاب الإصابة
هذا التدليس الأول ، بمعنى موافقة أبن حجر لكلام البخاري، ولفظة وقع لنا بعلو معروفة في كتب الحديث والتدليس الثاني، أنه انتقى من كتاب الإصابة بقصد، فقد جاء في المصدرذاته للراوي الصحابي أبو عوسجة (8001) وفيه ( قال البغوي الصواب عن عوسجة عن عبد الله بن مسعود موقوفا )

 وايضاً في نفس الصفحة يقول أبن حجر كما هو واضح أعلاه في الصورة :
( قلت وقد أخرجه الطبراني عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن محمد بن جعفر الوركاني عن أبي الأحوص 
مثل ما روى مهدي مرفوعا) 
أي أن أبن حجر لم يكذّب الراوي مهدي بن الحفص، والصورة أدناه من الكتاب .
 والتدليس الثالث ، أن الإمام البخاري ذكر الحديث في كتابه (الكنى) وليس في الصحيح .



وإضافة لما سبق، وبعد مراجعة نص حديث المسح على الخفين عن الراوي الوركاني بحسب المخطوطة التي ذُكرت في كتاب الإمام في معرفة أحاديث الإحكام، توافق مع كتاب نصب الراية وفيه ، (قال في " الإمام ": ورواية عبد الله بن أحمد بن حنبل عن محمد بن جعفر الوركاني التي أخرجها الطبراني تبرئ مهديا من نسبة الخطإ إليه) انتهى
بمعنى الحديث لم يرويه علياً عن النبي (ص)، فالخطأ من الصغائي عن البزار ، وهذا واضح ، فالإمام البخاري لم يُخطيء، فقد أورد الحديث بغير طريق في صحيحه، وأن لفظة أبن حجر لا تمس البخاري 
ولله الحمد، فهو من وهبه الله تعالى ملكة الحفظ ومعرفة الرجال وهو أبن العاشرة، حتى أنه صحح لشيخه فاعترف بعد رجوعه للكتب، وهذا يعرفه الغالبية من قرأ سيرته رضي الله عنه ، كما الإمام مسلم .

ـــ نأتي على حديث إبوال الإبل ورواتها :

صحيح البخاري/ كتاب الوضوء/ باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها وصلى أبو موسى في دار البريد والسرقين والبرية إلى جنبه فقال ها هنا وثم سواء
231( حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال قدم أناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم فجاء الخبر في أول النهار فبعث في آثارهم فلما ارتفع النهار جيء بهم فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون قال أبو قلابة فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله)

لاستعراض الحديث من حيث السند ثم المتن الذي يستنكره الكثيرون ، ففيه وقفات :
 أما من حيث السند فقد راجع علماء الحديث ـــ المتقدمون منهم والمتأخرون ــ كتابيّ صحيح مسلم والبخاري وتوصلا لنتيجة تنم عن دقة بنسبة كبيرة، وأعجب لقول الشيخ متولي جرأته على الطعن والتجاهل، وأدناه يقول عن السند :
ـــ يقول الشيخ متولي (لو بان للبخاري ومسلم ما بان لغيرهما من علم بطرق ورواة هذا الحديث جرحا وتعديلا واتصالا وانقطاعا ما نسباه إلى رسول الله وما صححا نسبته إليه صلى الله عليه وسلم) أ هـ  !!

الرد من شرح أبن حجرلصحيح البخاري ، قوله : (عن أيوب عن أبي قلابة) كذا رواه البخاري وتابعه أبو داود عن سليمان بن حرب وكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن أبي داود السجستاني وأبي داود الحراني وأبو نعيم في المستخرج من طريق يوسف القاضي كلهم عن سليمان، وخالفهم مسلم (ص: 402) 
هنا الإمام أبن حجر يوثق من ذكر الحديث، منهم صحيح أبو عوانة، والمستخرج لأبو نعيم، إضافة لصحيح مسلم، فهؤلاء خمسة من كبار أئمة الحديث لا يبالي بقولهم الشيخ متولي ! 
كما أخرجه أبن حبان في صحيحه وأبن خزيمة، وهذا عدا من ذكر الحديث في كتب السنن والمساند .
فهل هذا سهو منه أم تعمد في التدليس وهو يشكو التدليس؟! .

أما للرد حول الرواة المدلسين في الصحيحين بحسب القائمة التي وضعها الشيخ متولي بعدد 20 فقرة
 فمن غير الممكن أن أضع رد لكل واحد بالبحث عنه وعن كل نقطة، إنما أبين للفقرتين 1و2 ، أي لأثنين فقط من الرواة يمكن من خلالهما أن نتعرف عن كيفية التناقض الذي مارسه الشيخ متولي في طعنه للصحيحين ورجالهما رضي الله عنهما :
عن الراوي (1) أبو قلابة، هنا من شرح عمدة القاريء: ( وَقَالَ : سُقُوط أبي رَجَاء وثبوته صَوَاب، وَيُشبه أَن يكون أَيُّوب سمع من ابي قلَابَة عَن أنس قصَّة العرنيين مُجَرّدَة، وَسمع من ابي رَجَاء عَن ابي قلَابَة حَدِيثه مَعَ عمر بن عبد الْعَزِيز فِي الْقسَامَة، وَفِي آخرهَا قصَّة العرنيين، فحفظ عَنهُ حَمَّاد بن زيد الْقصَّتَيْنِ عَن أبي رَجَاء 
عَن ابي قلَابَة، وَحفظ الْآخرُونَ عَن ابي قلَابَة عَن أنس قصَّة العرنيين.) أ هـ
هذا الراوي أبو قلابة من الدرجة الأولى أي ممن لا يضر تدليسهم كما يعرفه أهل الحديث .
المرتبة الأولى : من لم يوصف بذلك إلا نادراً بحيث لا ينبغي أن يُعد فيهم ، فروايتهم محمولة على الاتصال ، وإن لم يصرحوا بالسماع .
وهنا شرح أبن حجر لصحيح البخاري (فأخرجه عن هارون بن عبد الله عن سليمان بن حرب وزاد بين أيوب وأبي قلابة أبا رجاء مولى أبي قلابة، وكذا أخرجه أبو عوانة عن أبي أمية الطرسوسي عن سليمان وقال الدارقطني وغيره : ثبوت أبي رجاء وحذفه - في حديث حماد بن زيد عن أيوب - صواب ; لأن أيوب حدث به عن أبي قلابة بقصة العرنيين خاصة ، وكذا رواه أكثر أصحاب حماد بن زيد عنه مقتصرين عليها وحدث به أيوب أيضا عن أبي رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة وزاد فيه قصة طويلة لأبي قلابة مع عمر بن عبد العزيز كما سيأتي ذلك في كتاب الديات ووافقه على ذلك حجاج الصواف عن أبي رجاء فالطريقان جميعا صحيحان والله أعلم ) أ هـ

الراوي (2) حميد الطويل ، فقد حدّث عن أنس بن مالك رضي الله عنه، ومن خلاصة روايات المدلسين *ب 
وفيه (: 14ــ رواية (حميد الطويل عن أنس) – وهذا متفرع عن الضابط السابق – فحميد مدلس ، إلا أن ما يرويه عن أنس محمولٌ على السماع وإن عنعن فيه ، لأن روايته عنه تدور بين ما سمعه عنه مباشرة أو ما سمعه عن ثابت عنه ، قال حماد بن سلمة : (عامة ما يرويه حميد عن أنس سمعه من ثابت) .أ هـ

من الواضح أن الشيخ متولي إبراهيم يرفض كتاب الصحيح لأنه استخلص منهج آخر في علم الجرح والتعديل يخالف منهج الشيخين وباقي العلماء، لا أن الشيخين قد اخطآ ووثقا الرواة المدلسين، والدليل كلامه أعلاه 
( وأعني بمصطلح العنعنة عدم التصريح بالسماع سواء بصيغة عن أو بأي صيغة أخرى غير صريحة في السماع ولا مشاحة في الاصطلاح ) 
بمعنى انه لا يبالي بصيغة التدليس في تدليس التسوية أو في غيره من الأنواع !

بل إن من الغريب أن يثبت الشيخ متولي على نفسه التدليس الذي يطبل حوله، حيث قال في منتداه في الرابط أدناه، حول تدليس العنعنة، وهو يتعلق برواية مسلم عَنْ مُغِيرَةَ، في معرض رده على  الشيخ الدكتورمحمد الصاوي الذي نقض إدعاء الشيخ متولي تحريم آكل الربا دون موكله ! بعنوان ( الرد على الرد الفاضح) *ج 
قال وهو يراجع خطئه، بقبول عنعنة المغيرة لأنه صرح بالسماع من شيخه إبراهيم .!

أليس في سند حديث شرب أبوال الإبل الراوي الوليد بن المسلم وهو يدلس تدليس تسوية ؟
ومعناه (أن يُسقِط الراوي شيخ شيخه)، وفيه قد صرّح بلفظ (حدثنا) ؟  فلماذا التناقض ؟
والكلام هنا
صحيح البخاري كتاب المحاربين : حدثنا علي بن عبد الله حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثني يَحيى بن أبي كثير قال حدثني أبو قِلابَة الجَرْمِي عن أنس - رضي الله عنه - قال قَدِمَ على النبي - صلى الله عليه وسلم - نَفَرٌ مِن عُكْلٍ، فأسلَموا فاجتَوَوُا المدينة، فأمَرَهُم أن يأتوا إبِلَ الصَّدَقَة، فيشرَبوا مِن أبوالها وألبانها ، ففعلوا فصحُّوا ، فارتدُّوا وقتلوا رُعاتَها واستاقوا، فبَعَثَ في آثارِهِم فأُتِيَ بهم، فقطع أيهديهم وأرجلهم وسَمَلَ أعيُنَهم ، ثم لم يَحسِمهُم حتى ماتوا "

ــ قال الشيخ متولي (1 ـ بعض أسانيد هذا الخبر مقاطيع ، ولا حجة في المقاطيع )
وقال عن السبر (أما المجهولون الموثقون بالسبر سلمان أبو رجاء مولى أبي قلابة وزكريا بن يحيى الواسطي وعبد الله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، فبسبر جزئي ناقص توثيقا لا دليل على صحته،،، ألخ ) !

سلمان أبو رجاء، حدث عنه حجاج الصواف (الثقة) عندما استشار الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في القسامة، ذُكر في صحيح البخاري / الديات ، ومسند أبو عوانة وتاريخ دمشق .
يبدو أن الشيخ عزل نفسه في بيته، وهو يرى في نفسه أعلمية تفوق أعلمية علماء الأمة ! ، ثم أخذ بطرح كل الكتب التي بحثت في رواة الصحيحين، ومنها كتاب (هدي الساري) حيث قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
 ( وأما دعوى الانقطاع فمدفوعة عمن أخرج لهم البخاري، لما عُلم من شرطه، ومع ذلك فحكم من ذُكر من رجاله بتدليس أو إرسال أن تُسبر أحاديثهم الموجودة عنده بالعنعنة، فإن وُجد التصريح فيها بالسماع اندفع الاعتراض ، وإلا فلا ) ص 385 .
وأجاد د.عواد الخلف في كتابه ( روايات المدلسين في صحيح البخاري ) *ب
فقد أفرد للرواة كلٍ في طبقته، ثم وضع النتائج، ومنها كموجز : (ثانياً : أحاديث المدلسين في صحيح البخاري غير طاعنة في شرط الصحة ، وذلك لأن احتمال الانقطاع قد زال ، إما بإثبات التصريح بالسماع للمدلس المعنعن الذي لا تُقبل روايته إلا بذلك، أو ما يقوم مقام التصريح بالسماع من اعتبارات قبول عنعنة المدلس )
ثم يقول معلقاً على عبارة الحافظ ابن حجر رحمه الله في خاتمة كتابه ص 591:
( أقول بعد هذا السبر والتحليل : نعم، اندفع هذا الاعتراض، ولله الحمد والمنة) أهـ

أقول للشيخ متولي أن من أمثلة ما نعيشه اليوم في كلام الناس حولنا الموهم لغاية أو طبع فكثير، ولا يُعقل أن نهمل كل ما جاءوا به جملةً وتفصيلاً، وإلا لانقطعنا من الناس أجمعين.
 فكيف يمكن ان نهمل ما يصلنا من الوحي من أحكام ؟ 
وهذه غاية الإمامين في تنقية الأحاديث النبوية رضي الله عنهما، وقد أتمّا هذه الغاية السامية على مراد الله بإذنه وفضله تعالى، جزاهما الله الجنة .

أما عن متن الحديث النبوي الذي يشير لشرب بول الإبل من قبل أناس لجأوا إلى مرابض الإبل، ففيه وقفة، 
فكيف نتقبل أن النبي(ص) مثّل بالمرتدين سارقي الإبل؟ 
ثم أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، وليس خانة الطهارة كما فعل النسائي عندما أخرجه في مسنده ضمن كتاب الطهارة (باب ما جاء في التشديد في البول حتى باب ما جاء في بول ما يؤكل لحمه) !
قال أبن حجر في شرحه أن البخاري لم يبين حكمه لوجود اختلاف، إنما في هذا معنى أن بول الإبل غير نجس لاقترانه بالغنم، وخالفه الإمام بدر الدين العيني في شرح العمدة صرّح بعدم طهارة بول الإبل موافقةً لأبي حنيفة والشافعي وغيرهم رحمهم الله، قال (والاستشفاء بالحرام جائز عند التيقن)، وقد بين علة الأمر بها قال 
(فإن قلت: هل لأبوال الإبل تأثير في الاستشفاء حتى أمرهم صلى الله عليه وسلم بذلك؟ 
قلت: قد كانت إبله صلى الله عليه وسلم ترعى الشيح والقيصوم، وأبوال الإبل التي ترعى ذلك وألبانها تدخل في علاج نوع من أنواع الاستشفاء، فإذا كان كذلك كان الأمر في هذا أنه عليه الصلاة والسلام عرف من طريق الوحي كون هذه للشفاء، وعرف أيضا مرضهم الذي تزيله هذه الأبوال، فأمرهم لذلك) أ هـ

والرأي هنا مغاير لما قاله الإمام أبن تيمية رحمه الله في فتاواه: (الدليل الثاني‏:‏ الحديث المستفيض، أخرجه أصحاب الصحيح وغيرهم من حديث أنس ابن مالك‏:‏ أن ناسًا من عُكْل أو عُرَينة قدموا المدينة فاجتووها،،،، فوجه الحجة أنه أذن لهم في شرب الأبوال، ولابد أن يصيب أفواههم وأيديهم وثيابهم وآنيتهم، فإذا كانت نجسة وجب تطهير أفواههم وأيديهم وثيابهم للصلاة، وتطهير آنيتهم، فيجب بيان ذلك لهم؛ لأن تأخير البيان عن وقت الاحتياج إليه لا يجوز، ولم يبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجب عليهم إماطة ما أصابهم منه، فدل على أنه غير نجس، ومن البين أن لو كانت أبوال الإبل كأبوال الناس، لأوشك أن يشتد تغليظه في ذلك‏.‏) أ هــ

أما المثلة، فقد جاء في عمدة القاريء ( وإنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بما فعل قصاصا؛ لأنهم فعلوا بالرعاة مثل ذلك، وقد رواه مسلم في بعض طرقه، ولم يذكره البخاري، قال المهلب : إنما لم يذكره؛ 
لأنه ليس من شرطه، ويقال: فلذلك بوب البخاري في كتابه، وقال: باب إذا حرق المشرك هل يحرق؟ )
وجاء في الفتح لأبن حجر ما يهدأ النفس، وفيه (وذهب آخرون الى أن ذلك (أي المثلة) منسوخ قال بن شاهين عقب حديث عمران بن حصين في النهي عن المثلة هذا الحديث ينسخ كل مثلة وتعقبه بن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى  تاريخ قلت (القول لبن حجر) يدل عليه ما رواه البخاري في الجهاد من حديث أبي هريرة في النهى عن التعذيب بالنار بعد الإذن فيه وقصة العرنيين قبل إسلام أبي هريرة وقد حضر الإذن ثم النهي وروى قتادة عن بن سيرين أن قصتهم كانت قبل أن تنزل الحدود ولموسى بن عقبة في المغازي وذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى بعد ذلك عن المثلة بالآية التي في سورة المائدة وإلى هذا مال البخاري وحكاه أمام الحرمين في النهاية عن الشافعي) أ هـ

السؤال الآن: إن كان البول ما تعفه الأنفس بلا شك حتى ولو كان مما يؤكل من الدواب، مع أن المراد منه هو التداوي للضرورة، فكيف الحال ؟ وما قول العلماء؟

ليس من الغريب في وقتنا الحالي الذي كَثُرت فيه الأوبئة المستعصية ــ كالسرطان أعاذنا الله منه ــ أن يلجأ له المريض الواشك على الموت بالتعلق بالأسباب برحمة منه تعالى، فلعل الأجل لم يحن، وهو إن نظرنا إلى كلام الله تعالى فقد رخّص أكل الميتة والدم ولحم الخنزير أتقاء الهلكة، فقد اتفق ما قرأته من العلماء حول ذلك، 
إلا أن الشيخ الإمام أبن تيمية رحمه الله له وجوه في عدم القبول بشرب البول في التداوي، وهو ما يواجه القبول بها بمنطق القاعدة الشرعية (الضرورات تبيح المحضورات)  
 وفصّل هذا في فتاواه ( الجزء 21، الطهارة) بأن لا ضرورة في التداوي ببول الإبل، بقوله رحمه الله : 
(فإن قيل‏:‏ فقد أباحها للضرورة، والمتداوي مضطر فتباح له، أو أنا نقيس إباحتها للمريض على إباحتها للجائع بجامع الحاجة إليها‏،،،، قلت‏:‏ أما إباحتها للضرورة فحق، وليس التداوي بضرورة لوجوه‏ ،،،، وثانيها‏:‏ أن الأكل عند الضرورة واجب‏.‏ قال مسروق‏:‏ من اضطر إلى الميتة، فلم يأكل فمات، دخل النار، والتداوي غير واجب ومن نازع فيه‏:‏ خصمته السنة في المرأة السوداء التي خيرها النبي صلى الله عليه وسلم بين الصبر على البلاء ودخول الجنة، وبين الدعاء بالعافية‏.‏ فاختارت البلاء والجنة‏.‏ ولو كان رفع المرض واجبًا، لم يكن للتخيير موضع، كدفع الجوع، وفي دعائه لأبي بالحمى، وفي اختياره الحمى لأهل قباء، وفي دعائه بفناء أمته بالطعن والطاعون، وفي نهيه عن الفرار من الطاعون‏ ،،، ورابعها‏:‏ أن المرض يكون له أدوية شتى، فإذا لم يندفع بالمحرم، انتقل إلى المحلل، ومحال ألا يكون له في الحلال شفاء أو دواء، والذي أنزل الداء، أنزل لكل داء دواء إلا الموت، ولا يجوز أن يكون أدوية الأدواء في القسم المحرم، وهو سبحانه الرؤوف الرحيم‏.‏ وإلى هذا، الإشارة بالحديث المروي‏:‏ ‏(‏إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها‏)‏، بخلاف المسغبة فإنها ـ وإن اندفعت بأي طعام ـ اتفق، إلا أن الخبيث إنما يباح عند فقد غيره، فإن صورت مثل هذا في الدواء فتلك صورة نادرة؛ لأن المرض أندر من الجوع بكثير، وتعين الدواء المعين وعدم غيره نادر، فلا ينتقض هذا.‏ على أن في الأوجه السالفة غنى‏ ) 


نفهم من هذا أن الحديث صحيح، فليس أحرص من علماء الأمة المتأخرين مثل أبن تيمية رحمه الله في أمور الحرام والحلال والفتوى حولها، إنما الإشكال هو اختلاف العصر الذي يجعل المحضورات رأفة من الله تعالى، وأن اللجوء إلى بول الإبل ليس في كل مرض متناول دواءه في اليد، بل الحل الأخير ولو على كراهة مثل بتر اليد، عافانا الله .

تبقى أخيراً مسألة فاصلة هامة راودتني، وهي إن كان المتن غير مقبول، فهل صنّفه علماء الحديث بأنه شاذ 
ولو كان سنده صحيح؟ أليس هذا ما احتج به الشيخ متولي إبراهيم ؟
والجواب: لم أجد أي قول بأنه من الأحاديث الشاذة أو من الغرائب، بل لم أجد الحديث ضمن ما حكاه الحاكم في مستدركه، وقد غلط في تخطئة للبخاري رحمه الله عندما وصف أن هناك أحاديث شاذة في الصحيح، لكنه لم يعرف موطنها ما هي إنما عرفه بقلبه ! . ما أفظع ما جاء به الحاكم وكتابه المليء بالبدع .

أما احتمال أن تكون الآية 33 من سورة المائدة منسوخة، وهي التي نزلت بسبب من اجتووا الإبل، فقد يتغير الموضوع برمته ويستبين عدم العمل بالحديث، ونص الحديث عن أسباب النزول هو (عن أنسِ بنِ مالِكٍ بِهذا الحديثِ - يعني حديثَ العُرَنيِّينَ - قال فيهِ : فبعثَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ في طلبِهم قافلةً فأُتيَ بِهم فأنزلَ اللَّهُ في ذلِك : إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا الآيةَ .) 
وبما أن النسخ لا يدخل إلا الأحكام ، فلا يدخل النسخ على الأخبار وهو مذهب جمهور أهل العلم، فهل اجمع العلماء أنه منسوخ ؟ أختلف العلماء فيها، وهذا قول النووي رحمه الله .

الأغرب أن الشيخ متولي الذي جال غاضباً على صحيح البخاري ومسلم رحمهما الله لم يذكر أي شيء عن احتمال نسخ الآية وشرب البول بالتبعية، حتى يكون له قرين حجة قوي مع السند !
بل أن ما كتبه يدل على أنه لم يعرف (أو لم يبال) بأن حادثة ردة قوم القوم وقتلهم الراعي وسرقة الإبل هي سبب نزول الآية وفيها بعث السرية وأميرها جرير بن عبد الله البجلي، وقيل غيره .
هذا ما كتبه عن المتن الذي رآه بعيد عن الواقع، قال : (وذلك لأن صحة الإسناد عند جمهرة المحدثين والأصوليين تعنى العلم الذي يعني غلبة الظن ورجحانه، ولا تعني اليقين ولا الموافقة لحقيقة الأمر وواقع الحال بالضرورة، وهذا معناه أن سند الخبر قد يصح بينما يكون معنى متنه في حقيقة الأمر وواقع الحال باطلا )

فهل هو الجهل بالحديث وكتب السيرة والتاريخ الذي سرده الطبري، وقد درس في الأزهر وليس من عامة الناس، أم أنه الغل الذي أصاب قلبه بتأثير كلام القرآنين منكري السنة ؟ ! الله أعلم ، هداه الله .

ـــ يقول الشيخ متولي (بل ولو بان لهما ما بان لعلماء الطب والكيمياء والفيزياء في العصر الحديث في أبوال الإبل ما نسبا هذا الحديث إلى رسول الله وما صححا نسبته إليه صلى الله عليه وسلم حتى مع صحة إسناده عندهما ) !!
مع أن البدو في الصحراء عرفوا فوائد بول الإبل في معالجة أمراض المعدة والقروح، وما زالوا يخلطوه بلبن الإبل، وهذا ما توصل إليه العالم العربي أبن سينا في كتابه القانون .




أما حديثاً فقد نُشرت مقالات عديدة لإبحاث من ذوي الاختصاص في العلوم الإحيائية والطب منهم الباحثة الدكتورة (فاتن خورشيد) مع فريق بحث من 15 فرد لفعاليته في مكافحة السرطان، وقد حصلت على تصريح بالدواء على شكل كبسولات 3 مرات . كما نقلت الخبر قناة الجزيرة في برنامج (ياهلا - بول الابل هل يعالج السرطان) منشور في اليوتيوب 4 أجزاء، حيث أكدت أن الاتصالات مستمرة من قبل جهات عالمية مختصة للحصول على التركيبة ، منها الصين . وفي موقع طبي نشر براءة الاختراع الخاص بالدكتورة فاتن خورشيد، 
 (الاختراع الأوربيه بتاريخ 17.6.2015 بناء على أبحاثها العلميه التي تم فيها فصل وتصنيع الجزء الفعال
 في أبوال الابل والذي يعمل كمضاد للسرطان) . *د

كما تم نشرعدة مصادر تؤكد فوائده مثل موقع (إعجاز) وموقع الإسلام سؤال وجواب (83423)
والغريب رأيت إعلان بيع البول في موقع أمازون ، والطلب عليه .
لكن يبقى إشكالية احتواء البول على مواد ضارة تؤثر على الجسم لكون البول هو في طبيعته يحوي على سموم الجسم، وهنا يجدر الإشارة أن التجارب الطبية مستمرة، كما على سم الأفعى قديماً، والتي ما كانت مقبولة لطبيعتها الضارة، واليوم هي علامة للدواء عالمياً .

 كل ما سبق مستشهدين بالآية والحديث النبوي الشريف :
قال الله تعالى في سورة الغاشية الآية 17 (أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ)
وفي مسند أحمد عن أبن عباس قال، قال النبي(ص) (إنَّ في أبوالِ الإبلِ وألبانِها شِفاءٌ للذَّرِبةِ بطونِهم)
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الوادعي | المصدر : صحيح أسباب النزول | الصفحة أو الرقم : 96 | خلاصة حكم المحدث : رجاله رجال الصحيح وأصله في صحيح البخاري ( موقع درر الحديث/ 24)

فعلاً يا شيخ متولي (ما هكذا تورد الإبل) .
أتق الله ولا توصم الشيخين بالنفاق لأنهما ثبّتا حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) في صحيحيهما رضي الله عنهما .




أقول للنصارى الذين يتلقفون كلام الطاعنين مثل إسلام بحيري والشيخ متولي وغيرهم:
كفاكم طعناً بالإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم، فقد أصابكم العمى مما في كتابكم المقدس 
27 فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى: [هَلْ إِلَى سَيِّدِكَ وَإِلَيْكَ أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لأَتَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلاَمِ؟ 
أَلَيْسَ إِلَى الرِّجَالِ الْجَالِسِينَ عَلَى السُّورِ لِيَأْكُلُوا عَذِرَتَهُمْ وَيَشْرَبُوا بَوْلَهُمْ مَعَكُمْ؟] سفر الملوك الثاني ( 18 : 27 )
وأقول للملحدين : هداكم الله
( إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ 
ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الأعراف الآية 180
وللمطبلين من الشيعة : راجعوا رواياتكم عن المعصوم وقد وافق على الحديث جملة من علماءكم.

أخيراً يبقى التداوي بهيئة فتوى ولا إجبار، فمن الأسلم لمن لم يتقبل ما في الحديث ولا العلاج أن يعمل بحديث نبوي متداول ( أستفتِ قلبك) فيتركه ، لا أن يطعن بالصحاح ورجاله رضي الله عنهم .
تم ولله الحمد وأسأله العفو والعافية .


ــــــــــــــــــــــــــ




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق