الاثنين، 25 مايو 2015

الشيعة والسنة، المشكلة.. والحل/ للشيخ الدكتور طه الدليمي

الشيعة والسنة المشكلة .. والحل


بقلم / الدكتور الشيخ طه حامد الدليمي


 قبل كل شيء أقول: العراق مطبخ التشيع؛ فلا غرابة في أن يكون منتوجه أنضج من منتوج غيره من المطابخ. وليس في ذلك - إن كان كذلك - إزراء بالغير، إنما الإزراء بمطبخه إن لم يكن منتوجه كذلك.

وكاتب المقال من أكثر أهل العراق اكتواء بنار مطبخه، وقد جرب فأوعى، وأنتج فأوعب. لا أقولها فخراً، معاذ الله، وإنما شيئاً وجدت له مساساً بما أريد أن أقول. وأضيف: إن للكاتب رؤية استباقية لكثير من الأمور المفصلية كان الناس ينكرونها ثم أثبتت الأيام معروفها. عسى أن يكون ذلك شفيعاً لأن ينظر أهل السنة إلى الحل الذي أقدمه هنا بصورة أكثر اهتماماً وجدية.

 مشكلة الطائفية واتجاهات الحل

الطائفية هي المشكلة التي على محورها تدور رحى الحرب بين السنة والشيعة. وإذا كان هذا حقاً، فهل الحل بعلاج الطائفية، أي العمل على إزالتها من بين الطرفين المحتربين؟ يرى هذا الرأي اليوم جمهور المنتسبين إلى السنة. لكن هذا الجواب يحتاج إلى اختبار بسؤال آخر: هل يمكن أن نجعل من علاج الطائفية هدفاً يصح السعي إلى تحقيقه؟ والسؤال هنا مبني على حقيقة متفق عليها هي: أن من شروط الهدف أن يكون قابلاً للتحقيق؛ فنسأل: هل هذا الهدف قابل للتحقيق؟

ولي أن أجيب، ومن حق الآخرين أن يجيبوا كيفما يريدون، فأقول: الطائفية التي نحن بصددها نابعة من العقيدة كجزء لا يتجزأ من الدين، وجذورها تمتد عميقاً في نسيج الشخصية الشيعية بحيث تحولت إلى عقدة جمعية تحكم نظرة الشيعة إلى السنة وتوجه جميع تصرفاتهم نحوهم. فمهما أحسن السنة إلى الشيعة يظل الشيعة يتصرفون تجاه السنة طبقاً لدافع الطائفية؛ وذلك لسببين: الأول ديني عقائدي. والثاني: نفسي عقدوي.

أما الأول فإن من صميم عقيدة الشيعة، هذا الرابوع الخطير:
1. تكفير السنة 2. سفك دمائهم 3. إباحة أموالهم 4. استباحة أعراضهم. وكل ذلك واجب في دين الشيعة وجوباً تواطأ عليه علماؤهم إجماعاً، وشاع لدى عوامهم فلا يجهله أحد منهم إطلاقاً، إلا النادر الذي لا حكم له.

وأما الثاني فإن الشيعة في كل بلد مهما أحسن إليهم السنة يظلون يشعرون بأن السنة ظالمون لهم شعوراً جارفاً تنفجر له عيونهم عند ذكر أول حروف (المظلومية) التي طبعت عليها نفوسهم وأشربت في قلوبهم. الظلم عند الشيعة فكرة ذهنية مجردة لا حركة فعلية مجسمة، والمظلومية عندهم شعور غائر في أعماق النفس لا رد فعل على تصرف صادر ضدهم من قبل الغير.

على هذه العقيدة وهذه العقدة انبنت طائفية الشيعة. العقيدة والعقدة هي العلة، والطائفية هي العرض الحتمي لهذه العلة. وسؤالي لكل الأطباء: هل يمكن علاج العرض قبل زوال علته؟ وسؤالي لكل علماء الدين والنفس والاجتماع: هل يمكن علاج هذه الطائفية قبل إزالة العقيدة الدينية والعقدة الجمعية؟ وهل يمكن تحقيق هذه الإزالة؟ كيف؟ ومتى؟

هل أنت معي في أن علاج الطائفية الشيعية شيء بعيد المنال؟ إذن لا يصلح أن يكون ذلك هدفاً نسعى إلى تحقيقه. فالقول بأن الخلاص من الطائفية بعلاجها بناء على أنها هي المشكلة، قول سطحي لا يقوم على جهد من البحث والتحليل والاستنتاج العلمي. وهو قول من لا يدري ما يقول، ولا يتصوره. وتزداد السطحية جلاءً حين تكتشف أن العلاج الذي يقدمه هؤلاء مواعظ ونصائح، ثم أقوال يرشوهم بها شيعة لا يتجاوز أثرها تراقيهم طبقاً إلى لعبتهم المعتادة (تعدد أدوار ووحدة هدف). بعدها يطالبون أبناء السنة بالكف عن الطائفية المضادة فيغضوا الطرف ويخيطوا الفم عن ماكنة السحق الشيعية التي امتدت من بلوشستان حتى أقصى الشام، ودار هلالها بخنجره ليمسح اليمن والبحرين حتى أطراف نجد وأعماق الحجاز!

مشكلة السنة

 إذا كانت مشكلة الشيعة في طائفيتهم، فمشكلة السنة في وطنيتهم. ومشكلة العراق وأمثاله من الأقطار المبتلاة بالشيعة في التخادم القائم بين الطائفية الشيعية والوطنية السنية، وعدم وضع حل على هذا الأساس!

لم تكن مشكلة الشيعة في ظل الدولة الوطنية (1921-2003) في طائفية السنة. وليست هذه هي مشكلتنا - نحن السنة - بل مشكلتنا في وطنيتنا. لو كنا طائفيين ما سقط العراق بيد الشيعة في سنة 2003.

وطنية السنة هي التي سمحت للشيعة بالتمدد لينتشروا في العاصمة بغداد وفي الميناء البصرة حتى وصلت نسبتهم في الأولى إلى 35%، وفي الثانية قريباً من 65% في سنة 2003، بعد أن كانت لا تتجاوز 5% في كلتا المدينتين سنة 1921! وهذا مجرد مثال. ووطنية السنة هي التي سمحت للشيعة بأن يتمددوا في كل دوائر الدولة بلا استثناء، منطلقة من نسب صفرية أو تقرب من الصفر عند بدء الدولة الوطنية سنة 1921 إلى نسب متفوقة بعد ذلك. ففي الجيش كانت نسبتهم 0% سنة 1921. لكن بعد ثمانين سنة وصلت النسبة في الدوائر العسكرية والمدنية والأمنية والحزبية في العراق إلى أكثر من 60%! أما سبب ضعف النسبة عند بدء تأسيس الدولة فعدم وجود كفاءات شيعية يمكنها شغل الوظائف المنوطة بها؛ لأن الشيعة كانوا يحرّمون الدراسة في الجامعات العثمانية عسكرية ومدنية، فليس لهم من تحصيل دراسي سوى العلوم الدينية في حوزاتهم المعروفة. وهذه بعيدة جداً عن قيادة الحياة. وقد عمل الملك فيصل الأول بكل ما يستطيع لردم هذه الهوة تجنباً لتذمر الشيعة واتهامهم الدولة بالانحياز الطائفي، واتبع لذلك طرقاً غاية في التخلف منها أن رجلاً شيعياً يعمل (روزخوناً) في حسينية ببغداد اسمه (ملا شكر) منح صلاحية تزويد أي شاب شيعي بورقة تشهد له بأنه تخرج على يده لكي تعتمد كوثيقة تؤهله لدخول كلية الحقوق، ثم بعد التخرج يرسل في بعثة للتخصص. بمثل هذه الأساليب المتخلفة تسلق الشيعة دوائر الدولة كما يتسلق النمل جثة عنكبوت ميت حتى قضوا عليها. ألم أقل لكم إن الظلم والمظلومية عند الشيعة فكرة ذهنية وشعور نفسي لا رصيد له من الواقع يستند إليه!
 وتأمل كيف أن طائفية الشيعة في ظل الوطنية السنية الساذَجة بعد سنة 2003 هي التي أقصت أبناء السنة وسحقتهم حتى تحولت هذه دوائر الدولة إلى يد الشيعة بنسب تقرب من الكلية. وحولت بغداد والمدن المختلطة إلى مدن شبه شيعية. ولو كان الشيعة وطنيين كالسنة ما حصل هذا في بضع سنين. ولو كان السنة طائفيين كالشيعة لتمكنوا من فعل مثل هذا بالشيعة على أتم وجه بين سنتي 1921 و2003؛ فثمانية عقود ونيف تكفي وزيادة لذلك.  

الحل
ولك أن تسأل هنا: فما الحل إذن؟

وأجيب: الحل بالتعامل مع الطائفية الشيعية، وذلك بتطويقها ودفع ضررها. وهذا لا يتم إلا بالعزل بأي صورة من الصور.

الطائفية الشيعية أشد فتكاً بالسنة من الأمراض المعدية الخطيرة.
والأطباء مجمعون على شيء اسمه (الحجر الصحي) حيال هذا النوع من الأمراض، وهو عزل المريض بها عن الأصحاء فلا يختلطون بهم إلا وفق إجراءات وقائية صارمة. وإذا كان المتثاقف الغربي أو الشرقي يتهمنا بالطائفية والتخلف فليحتفظ بأخلاقه لنفسه، 
وليسأل هذه النفس أولاً:
لماذا لم يجدوا حلاً لليهود إلا بعزلهم في حارات وأحياء عرفت بـ(الجيتو)، محاطة بأسوار وأسيجة عالية لتعزيز العزل؟ وقد كان ذلك بأمر من البابا بولس الرابع في منتصف القرن السادس عشر (تحديداً سنة 1555م). ثم لم يتحملوهم حتى أجلوهم إلى فلسطين بدايات القرن العشرين!

والشيعة أخطر وأكثر من الشيعة أضعافاً مضاعفة.
يتم تطويق الطائفية الشيعية عبر خطوات ثلاث متداخلة (الفدرالية، وتسنين الشيعة، وتقسيم إيران) حتى نصل إلى الحل الجذري الذي يضمن لنا عدم ظهورها مرة أخرى:

 1. الفدرالية: العزل الشيعي المنشود يمكن أن يتم اليوم بطريقة حضارية، وهي تحديد إقامتهم في فدراليات أو أقاليم خاصة بهم. والأقلمة نظام سياسي معمول به فيما يقرب من نصف العالم، مثل أمريكا وكندا وبريطانيا وأستراليا وسويسرا وبلجيكا والهند والإمارات. ولكل بلد فدراليته الخاصة به. فتكون لنا فدراليات تناسب وضعنا.

وإلى المعارضين ممن يطمح إلى تكوين دولة وطنية أو قومية أو إسلامية نقول: كفاكم جهلاً بالسياسة والدين. الفدرالية لا تعني تقسيم الوطن إنما تقاسم الحقوق. وهذه الدول وأمثالها شاهد على تخلفكم وقصور نظرتكم؛ إذ ما زلتم تشهدون على مثله بعدم معرفتكم بماهية الفدرالية، وتعاميكم عن رؤية حقيقتها الواقعية.
من أراد أن يقيم دولة على أي مقاس: وطني أو قومي أو إسلامي، فالفدرالية لا تتعارض معها، بل تدعمها وتحفظها.
2. تسنين الشيعة: لا يكمل الحل - بعد الفدرالية - إلا بأن يكون حكم البلد بيد السنة. وعندها نبدأ بحملة تسنين للشيعة، توضع لها الخطط المناسبة في حينها. وفي رأيي أن هذا الهدف ممكن بنسبة جيدة إذا قامت على تنفيذه دولة سنية، كما فعل صلاح الدين الأيوبي بمصر. ولدي أفكار استراتيجية كثيرة تخدم تحقيقه.
هنا يصبح القول بعلاج الطائفية ممكناً بدرجة تستحق الاهتمام والتجربة. ومن تبقى من الشيعة مصراً على شيعيته مع ادعائه الإسلام فيُلزم بمقتضى دعواه. وكيفية الإلزام فتترك إلى حينها.
3. العمل على تقسيم إيران إلى خمسة دول أو أكثر. ووضع العوائق الحقيقية الأبدية في طريق التئامها مرة أُخرى. والحديث عن هذه النقطة له مناسبة أُخرى بإذن الله تعالى.  أما أن يكون علاج الطائفية بالمواعظ والنصائح وتبويس اللحى فهذه سذاجة، لن تزيد الحالة إلا سوءاً، والوضع إلا تدهوراً.
وإلى أن يتم تفعيل هذا الحل الثلاثي الأبعاد، فلا علاج للطائفية إلا بالطائفية المضادة، والله تعالى يقول: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (البقرة:194).

ولا عزاء للوطنيين الحالمين، ولا للمتطرفين الساذَجين.

 22/5/2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق