بقلم / آملة البغدادية
أبدأ مقالي بحقيقة مذهلة تلزمنا أن ننظر إلى ما يجري في العراق بمنظار مصغر، وأعني ب(مصغر) هو النظر عن بـُعد إلى المحيط الواسع ليصبح نقطة واضحة مع ما يحيط بها كأنه ينظر من قمة جبل، وهذه الحقيقة هي (ماهية الانتخابات) . من المعلوم أن الذي يريد أن يتبين حقيقة الأمور الشاقة والأزمات وهو في وسطها لا يستطيع أن يفهم معالمها الحقيقية الكاملة فلا بد أن يعلم مدى الصدع وما يجري على الحدود، وما إذا كان المصدر من الداخل أم من خارجها، هذا إن لم يكن ملزم بإيجاد ما يناسبها من حلول فكيف وهو ملزم كحالنا ؟ . إن الفرد البسيط الذي يكون داخل الأزمة بكل ضجيجها وأحداثها المتسارعة، والتي تتطلب منه التحرك السريع للخروج من الحلقة التي هو فيها إلى انفراج، هذه السرعة بحد ذاتها مجازمة فيها من المخاطر الكبيرة عند اختياره لحلول تكون خاطئة، حتى إن كانت على المستوى الشخصي فكيف وهو ملزم بأتخاذ القرار وهو في موقع لا يؤهله لهذا ؟
إن مهمة الناخبين هي من أكبر المخططات الغربية خطورة، والتي فرضتها قوة كبرى خفية، وهي تعلم التخريب الحاصل من وراء نظام الانتخابات الحديث، حيث أن الضوابط تلزم العامة ــ على مختلف درجاتهم من الوعي ــ بتحديد سياسة البلد ومستقبله بتوكيلهم مهمة تعيين (قادة) ، ولهذا فالفرد على ما هو عليه من أمكانيات عقلية وثقافية بسيطة في غالبيتهم من البديهي أن يكون اختياره بقدر ما يصل إليه مداه البصري بالنسبة للأحداث ، وما يصل إليه وعيه القاصر . ولا يكفي مع هذا أن نجد من يخبرنا عما يجري عن بعد بدون أن نكون ملمين بأوليات الحدث لا سماعين لجزئياته، فالخبر الذي يوصف بأزمة أو يرقى إلى مرحلة الخطر لا يفيد بدون خلفية واعية مطلعة لتحليله، ثم إيجاد الحلول المناسبة له كحل أوحد أو من بين بدائل .
إن الوعي والفهم الصحيح لما يجري بكل خلفياته أول صفات الراعي أو المسؤول في القمة، وعليه تقع مسؤولية التبصير بين رعيته ليهيأ على الأقل نواب عنه ينشرون الوعي بين العامة، ومع أن عملية التبصير مهمة يستحيل توفرها في الشعب بمجموعه، إلا أنها هامة للقادة ولمن أختار أن يحمل همّ مجموعته أو أمته في أي موقع كان، وهامة بل أكثر أهمية لمن يريد أن يفهم ويرفض أن يكون كالقردة الصينية الثلاث التي لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم ثم يناط إليها مهمة الاختيار ! . إن هذه المسألة تنبه لها الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) حين كانت مجالسه مفتوحة لعامة المسلمين فقد كتب الأستاذ عبد الوهاب النجار عن ( ميل عمر للإستشارة وقبوله النصح ) النص التالي ( كان عمر لا يستأثر بالأمر دون المسلمين ولا يستبد عليهم في شأن من شؤون العامة . فإذا نزل به أمر لا يبرمه حتى يجمع المسلمين ويحيل الرأي معهم فيه ويستشيرهم . ومن مأثور قوله : لا خير في أمر أبرم من غير شورى . وكان مسلكه في الشورى جميلا ً، فإنه كان يستشير العامة أول أمره فيسمع منهم ، ثم يجمع مشايخ أصحاب رسول الله وأصحاب الرأي منهم ثم يفضي إليهم بالأمر ويسألهم أن يخلصوا فيه إلى رأي محمود ، فما استقر عليه أمضاه ، وعمله هذا يشبه النظامات الدستورية في كثير من الممالك النظامية إذ يعرض الأمر على مجلس ( النواب ) مثلاً ثم بعد أن يقرر بالأغلبية يعرض على مجلس آخر يسمى في بعضها مجلس الشيوخ وفي بعضها مجلس اللوردات فإذا انتهى المجلس من تقريره أمضاه الملك . والفرق بين عمل عمر وعمل هذه الممالك أن هذا الأمر كان اجتهاداً منه وبغير نظام متبع أو قوانين مسنونة . وأما في الممالك المتمدنة اليوم فالأمر يجري على غير نظام وقوانين ، ومن قوله في الشورى : يحق على المسلمين أن يكون أمرهم شورى بينهم وبين ذوي الرأي منهم . فالناس تبع لمن قام بهذا الأمر ما اجتمعوا عليه ورضوا به لزم الناس وكانوا فيه تبع لهم ومن قام بهذا الأمر تبع لأولي رأيهم ما رأوا لهم ورضوا به من مكيدة في حرب كانوا فيه تبعاً لهم . أنتهى
إن صفة ( ذوي الرأي منهم ) هي الهامة هنا وأصل الموضوع ، وهؤلاء أهل الحل والعقد، وإذا قارنا عمل الخليفة عمر رضي الله عنه في إشراك الناس في أمور الحكم وعملية الانتخابات اليوم فهي لا تستوي، لأن الناس كانوا في زمن الإسلام الأول حاضرين في المجالس على الدوام عالمين بالمستجدات والتحديات ، وعليه فهم تمرنوا على حسن التفكير وطريقة التدبير والمشورة ، فمن أين لجمهور العامة اليوم هذا الأمكانات ؟ . هذه المرحلة لا بد من التوصل إليها تدريجياً حتى لا يبقى العامة خائضين في التوافه تهمهم الهوامش، وشبابهم لا تعنيهم أمور البلد ولا المخاطر وإنما ما سيقتنون من الملابس وأين سيستجمون الصيف القادم . لا شك أن نظام كهذا النظام يبدو من الصعوبة بحال إن لم يكن من الاستحالة لكن التجديد ضروري، والتنظيم لا بد منه عندما تعم الفوضى والحيرة إلى درجة كبيرة كما نحن عليه اليوم، فمن سيبدأ التنظيم من الأساس ؟
الإنتخابات هي البداية على أمل أن تتواجد شريحة من النواب على درجة من الصلاح يعيدون ترتيب الأمور بشكلها الصحيح تدريجياً ، فالتصويت هنا ضرورة ، ومن ناحية أخرى هو حل لدفع الضرر حين يعم الخراب في كل مفصل ويساق خيرة العامة إلى زوايا التغييب بشتى الوسائل . إنه وضعٌ معقد ، نعم ولكن هذا هو حالنا في العراق حين نرى الحكومات الصفوية المتعاقبة بعد الاحتلال حلقة متأزمة لا حل لها سوى الانتخابات، رغم أن الانتخابات بحجة الديمقراطية هي ما وضعه أعداء العرب كخيار أوحد لا ثاني له فالانتخابات تهدف إلى الإذى ككلمة حق يراد بها باطل ، والأغرب إن الديمقراطية توجب على الفرد التصويت حتى لو لم يكن هناك داعي لتغيير الحكومة لإن الدستور يقول بذلك حتى لا يستبد بنا مستبد، وحتى نمارس حقوق الفرد في تقرير المصير ! ، وهذا موضوع آخر ومكيدة أخرى من دهاة اليهود غاب عنها شباب اليوم ورجال المستقبل بنهج أسمه ( حرية الفرد ) الذي تضمنته بروتوكولات صهيون . وعلى ما تقدم فإن مهمتنا أن ندور في وسط هذه الحلقة كونها النقطة التي تسبق التغيير، وبعدها انفراج بإذن الله بشرط أن نحولها وفق المنهج الإسلامي .
يبقى في ذهني سؤال : كيف نهيأ الشباب إن كانت القراءة لديهم ثقل كالجبال ؟ كيف والأذن تعودت على الطرب وخفيف الأقوال ؟ أليس البيت هو البداية والتعليم أساس وهذه هي مرحلة الإعداد؟.
وكان الله في عون العراق ، والله المستعان .
ــــــــــــــــ
كتب في ت2 عام 2010 مع بعض التعديلات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق