منقول
إسناد الملف الأمني للعاصمة العراقية بغداد لتشكيلات الحشد الشعبي يكشف مقدار ارتهان القرار الأمني العراقي لإيران، ويضع المدينة بكل ما يميزها من تنوع عرقي وطائفي وديني، تحت رحمة ميليشيات أحادية الانتماء الطائفي أثبتت وقائع الحرب القائمة في العراق أنّها لا تقل تطرّفا وفظاعة عن تنظيم داعش الذي تشارك في الحرب ضدّه.
قوبل قرار لوزير الداخلية العراقي محمد الغبان بإسناد الملف الأمني لمدينة بغداد لميليشيات الحشد الشعبي بامتعاض شديد عمّ شرائح واسعة من سكان العاصمة، وبعاصفة من الانتقادات اعتبر أصحابها القرار بمثابة شرارة لحرب أهلية في المدينة التي تضم مزيجا عرقيا ودينيا واجتماعيا، فيما تلك الميليشيات محسوبة على طائفة بعينها، وقد تورّط مقاتلوها في ممارسات انتقامية وتصفيات جسدية على الهوية، وأعمال سلب ونهب، في المناطق التي دخلوها مؤخرا بعد انتزاعها من يد تنظيم داعش.
وقد أقرّت أعلى مرجعية شيعية في البلاد ممثلة في علي السيستاني ضمنا بتلك الممارسات، عبر تحذيرها في خطب الجمعة التي تُـلقى باسمها بشكل متكرّر من تسيّب ميليشيات الحشد الشعبي ودعوتها إلى تجنّب الممارسات اللاّأخلاقية ضد سكان المناطق التي يتم تحريرها من داعش.
ومن جهتهم دعا نواب محافظة بغداد من تحالف القوى العراقية وزير الداخلية محمد الغبان، إلى التراجع عن القرارات التي أصدرها بتكليف تشكيلات الحشد الشعبي بالملف الأمني للعاصمة.
واعتبروا أن هذه القرارات تثير القلق لدى المواطن البغدادي من خلال توفيرها الغطاء الرسمي للمندسين للإيغال بجرائمهم من سياسات تطهيـر طائفي وخطف وقتل وغيرها.
وقال بيان صادر عن نواب بغداد في التحالف، “إننا فوجئنا وجمهورنا بتصريح وزير الداخلية والقيادي في منظمة بدر محمد الغبان، حول تكليف تشكيلات الحشد الشعبي بالملف الأمني في بغداد،” مشيرا إلى أنّ هذا الحشد “يتألف من مجاميع مسلحة تنتمي إلى مكوّن واحد (الشيعة) في حين أن بغداد، وهي العاصمة، مدينة مختلطة”.
وأضاف البيان أن “هنالك مشاكل أمنية جدية معزّزة بتقارير محلية ودولية عن أعمال إجرامية وسياسات تطهير طائفي من أعمال قتل وخطف وابتزاز مالي على الهوية تقوم بها عناصر محسوبة أو مندسة في الحشد الشعبي كما أسماها الوزير نفسه”.
برلمانيون: الحشد الشعبي ينتمي إلى مكون واحد في حين أن العاصمة بغداد مدينة مختلطة
ويشير النواب بهذا القول إلى تحذير زيد بن رعد مقرّر حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة في العراق مؤخرا في كلمة أمام مجلس الأمن الدولي من الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن العراقية والميليشيات المساندة لها في المناطق التي تدخلها، مؤكّدا أنّ الأمر يتعلّق بجرائم لا تقل خطرا عن الجرائم التي يرتكبها تنظيم داعش في المناطق ذاتها، ومشيرا إلى أنّ بعثة الأمم المتحدة في العراق يونامي تتلقى وبشكل يومي شكاوى عن انتهاكات وممارسات خطيرة يتعرض لها المدنيون في المناطق التي يدخل إليها الجيش والمجاميع المسلّحة الموالية له، في إشارة إلى ميليشيات الحشد الشعبي.
وتابع النواب عن تحالف القوى العراقية في بيانهم القول إن “القرارات غير المتفق عليها سياسيا والمرتبكة إداريا تثير قلقنا نحن أعضاء مجلس النواب عن بغداد من تحالف القوى العراقية وتنشر الهلع بين الأهالي لأنّها توفر غطاء رسميا لأولئك المندسين للإيغال بجرائمهم،” داعين “وزير الداخلية إلى التراجع عن هذه القرارات”.
وكان وزير الداخلية محمد الغبان، أعلن الجمعة الماضية، عن تكليف تشكيلات الحشد الشعبي بالمساندة في حفظ الأمن في العاصمة بغداد، متعهدا بترقيم السيارات التي تستخدمها هذه التشكيلات.
ويتكوّن الحشد الشعبي من فصائل شيعية مسلّحة انخرطت في الحرب على تنظيم داعش، بعد فتوى المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني بوجوب قتال التنظيم في نطاق ما سمّي بـ“الجهاد الكفائي”. ومن هذه التشكيلات منظمة بدر التي ينتمي وزير الداخلية إليها، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وسرايا السلام التابعة للتيار الصدري وغيرها، وكلّها ذات سوابق في اقتراف جرائم بحق العراقيين خلال السنوات الماضية من خطف وقتل وتطهير طائفي.
وقد عادت تلك الممارسات إلى الظهور بقوّة خلال الأشهر الماضية خلال الحرب ضد تنظيم داعش والتي تلعب فيها ميليشيات الحشد الشعبي دورا كبيرا إذ تحظى بتأطير وتسليح وتمويل من إيران الأمر الذي مكنها من انتزاع مناطق من يد تنظيم داعش ودخولها، لكنّها مارست ضد سكانها أعمالا انتقامية على اعتبار “تنظيم الدولة الإسلامية” محسوبا على طائفة بعينها.
واعتبر المعترضون على قرار وزير الداخلية العراقي، أن تفسير القرار يكمن في انتماء الوزير ذاته لإحدى الميليشيات، مؤكّدين أنّه من إملاء أحد أخطر قادة تلك الميليشيات الشيعية في العراق؛ هادي العامري رئيس منظمة بدر المرتبطة بإيران، قائلين إنّ الرجل الذي اقترح اسمه ليكون وزيرا للداخلية في حكومة حيدر العبادي ولم يتمكّن من الظفر بالمنصب نظرا لحجم الاعتراضات عليه، هو من يدير بشكل فعلي وعملي الوزارة وفقا لتوجيهات إيران التي يحمل جنسيتها وحارب إلى جانبها في حرب الثماني سنوات ضد بلده الأصلي العراق. ويضيف هؤلاء تأكيدهم أن الوزير الغبّان مجرّد واجهة للعامري الذي رُفض أن يتولّى الوزارة نظرا لنزوعه الطائفية الواضحة، وسوابقه في ممارسة التعذيب ضد العراقيين، وأيضا لموالاته التامّة لإيران والتي لا يتردّد في الإعلان عنها.
ويعتبر العامري واحدا من عدّة قادة ميليشيات شيعية أخرى مثل عصائب أهل الحق وحزب الله العراق. ويذكرون من بين هؤلاء شخصا يسمى “أبو درع” مورّطا في جرائم قتل جماعي وكان فارّا في إيران، وعاد بمناسبة الحرب على داعش ليساهم في قيادة الميليشيات المنخرطة في تلك الحرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق